!لطالما كانت المرأة مستعبدة

في القدم استخدموا جسدها ليرضوا ملذاتهم، تاجروا بها جعلوها جاريةً وعاهرة مخلوقاً أقل قيمة واليوم حين قررت أن تثور وأن تجد لنفسها مكاناً في مجتمع الحاضر حضّروا لها شركاً جديداً، زينوه بالعطور، بالساعات المرصعة بالألماس، بمساحيق التجميل التي تعيدكِ عشر سنين الى الوراء وبعمليات التجميل التي تجعل منكِ أخرى. هذه المرة كانت الفخ جميلا أنيقا مدروساً ليستقبل الضحية بكل سلاسةٍ وخبث. ومرةً أخرى سقطت المرأة فيما أُعِد لها لتعيش اليوم سلسلةً لا تنتهي من الحاجات الكاذبة والأهداف الوهمية.

اخترعوا لها عالماً كاملاً مبنياً على رفضها لذاتها ورغبتها بأن تواكب العصر، حددوا المقاييس المثالية لجسدها، لنوعية شعرها، لطبيعة مشيتها، لمستوى صوتها، ولعلو كعبها. قرروا سلفاً ما هي اهتماماتها وحاصروها في وسائل إعلامية تُأكِدُ لها يومياً أنها لن تكون جميلة الا إذا ابتاعت هذا وذاك وأن للجمال مقياسُ واحِدُ فقط.

من الصحيح أن امرأة اليوم لم تعد كامرأة الأمس، فهي اليوم متعلمة مثقفة، تمتلك في العديد من الدول حقوقاً متساويةً مع الرجل، واستطاعت أن تصل الى سُدَةِ الرئاسة في العديد من الدول كالأرجنتين وكوستاريكا والى مناصب حكومية عالية كما في المانيا وتايلند ولكنها وللأسف لا تزال المنتوج الأهم عالمياً. فتقدمها في العديد من الدول لم يحمِها من شرك أنوثتها ولم يجعلها تُدرك أن اهتمامها المفرط بمظهرها حجبها عن واجبتها وحولها الى متلقيةٍ، والي مستهلكةٍ غير منتِجة.

للمرأة اليوم مِثالٌ يجب أن تحتذي به، وصورةُ نمطية عن كيف يجب أن تكون وكيف يجب عليها التصرف. فامرأة اليوم تمضي أوقات فراغها في شراء الملابس الجديدة أو في الاطلاع على مواقع الموضة، امرأة اليوم تشتري مساحيق تجميل بأسعارٍ خيالية لتضيف الى وجهها جمالاً أقنعوها أنها لا تمتلكه، امرأة اليوم تحتاج الى عمليات تجميل لكل قطعةٍ من جسدها فأنفها يحتاج الى تصغير، وأفخاذها تحتاج الى تعديل، وتدييها يحتاجان الى تكبير، ومؤخرتها يجب أن ترتفع، وخديها يجب أن ينتفخا، وشفتاها يجب أن تنفجرا. امرأة اليوم ترتدي الكعب العالي وهي مستعدةٌ أن تخبرنا لساعاتٍ عن مدى راحتها أثناء ارتدائه. امرأة اليوم تواجه مشاكل في تقبلها لذاتها ولمظهرها، امرأة اليوم تغيب عن معركة الحياة لأنها تواجه معركةً من نوعٍ آخر: "معركة البحث عن كمال المظهر".

في عام 2013 تمّ صرف ما يقارب ال 40 مليار دولار على عمليات التجميل حول العالم وتمّ اجراء 18.5 مليون عملية تجميلية، وفي السعودية تمّ اجراء 191000 عملية جراحية في عام 2010 أم عدد عمليات التجميل في لبنان فيبلغ 19000 عملية سنوياً. وبالرغم من أن هذه الأرقام تشمل النساء والرجال معاً الا أن المرأة تبقى السباقة أبدا في انجرافها نحو العمليات التجميلية. ففي دراسة أعدت في بريطانيا كانت نسبة الرجال الخاضعين لعمليات التجميل توازي %5 من مجموع عمليات التجميل. تُظهِرُ هذه الأرقام الوباء الجديد التي يعاني منه العالم بشكل عام والمرأة بشكلٍ خاص.


دائما ما أسأل نفسي ان كان العيب فيّ أنا أو أن كنت وُلدت في مجتمعٍ حدد سلفاً المواصفات الجاهزة للمرأة، حدد هواياتها، نمط تفكيرها، أحلامها والسجن الضيق الذي عليها أن تقبع فيه. دائما أسأل نفسي لماذا لا أكون الأخريات؟ لماذا لا تعنيني آخر صيحات الموضة؟ لماذا يزعجني الكعب العالي وأرفض ارتدائه؟ لماذا لا أحب ان أضع مساحيق التجميل؟ ولماذا بدل أن أُنفق ساعاتٍ أمام مرآتي كلّ صباح أخصص ذلك الوقت للقراءة؟ في لحظاتٍ كثيرة أشك في أنوثتي، في لحظاتٍ كثيرة أخجل من مظهري، في لحظاتٍ كثيرة يجرفني التيار وأبدأ بالبحث عن امرأةٍ ليست أنا، عن امرأةٍ لا تعنيني بشيء. مجتمع اليوم يفرض على المرأة صراعاً جديداً يفرض عليها صراعاً مع مرآةٍ ترفض أن تُشعِرها بالكمال!
Rihab Sebaaly
رحاب السبعلي